كلمة المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية، السيد المصطفى بن المليح، امام مؤتمر المانحين الدولي للدعم والإغاثة في أعقاب الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا
"معا من أجل الشعب في تركيا وسوريا"
أصحاب السعادة، السيدات والسادة
السلام عليكم وطاب مساءكم
لقد كان أثر الزلزال على السوريين كتأثير مرض كوفيد-19 على الجسد الذي اوهنه المرض لأكثر من 12 عامًا. لقد كان الأثر مدمراً، ولكن هذه المرة ليس بفعل الحرب. لقد ضرب الزلزال الأرض السورية التي طالما تمسك السوريون بثباتها حتى اهتزت بهم. هذه الأزمة التي تراكمت فوق سيل من الأزمات، شكلت صدمة مروعة للسوريين.
منذ السادس من شباط/ فبراير، نزح 500 ألف شخص وفقد آلاف آخرون إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش الأساسية. فالملاجئ الجماعية والمخيمات والمستوطنات العشوائية مكتظة. والعنف وسوء المعاملة وتردي الصحة العقلية آخذ في الازدياد. مرافق الصحة العامة ومستلزمات النظافة في وضع كارثي، والكوليرا تتربص بالسكان في كل زاوية وركن.
السوريون بحاجة لمساعدتنا.
كما قال وكيل الأمين العام أخيم شتاينر للتو: كان هناك أكثر من 15 مليون شخص – او ما يعادل 70 في المائة من سكان البلاد - بحاجة إلى مساعدات إنسانية قبل الزلزال، منهم أكثر من 4 ملايين كانوا يعيشون بالفعل في ظل ظروف إنسانية كارثية لا تحتمل، فاقمها أثر الزلزال المدمر.
ان الواقع البشري في سوريا قاتم.
التقيت في زيارة لملجأ في حلب بالسيدة دينا، معلمة شابة وأم لأربعة أطفال نزحت للمرة الثالثة في غضون 12 عامًا. دمر الزلزال منزلها، وهي تنام الآن في نفس الفصل الدراسي الذي كانت تعمل فيه. لقد فقدت دينا كل شيء؛ المنزل والثلاجة والتلفزيون وأثاث البيت. ودُفن مشروع زوجها ومصدر رزقه تحت الأنقاض. أسرة دينا من الطبقة الوسطى الكادحة التي أصبحت تعتمد فجأة على سلة المساعدات الإنسانية. كانت تجهش وهي تخبرني ان مجرد الوصول لدورة المياه ليلاً أصبح تجربة مرعبة، فلا يوجد ضوء ولا مياه ولا إحساس بالأمان، لقد فقدت دينا كل شيء.
السيدات والسادة
يحتاج آلاف الرجال والنساء والأطفال والأيتام والمستضعفين إلى توفير المأوى والغذاء والدواء والبطانيات والمراحيض والمياه والكهرباء ومرافق الصرف الصحي والتعليم والخدمات الصحية والحماية. ولكن، وقبل كل هذا، هم بحاجة إلى الكرامة وفرص العمل وخيارات العيش الطبيعية والمشروعة. وإما إذا ترك الناس بدون هذه الخيارات، فسوف يجبرون على البحث عن بدائلها في أماكن وسبلٍ أخرى.
لقد كشفت الأسابيع الأولى من الاستجابة عن مواطن ضعف عميقة يجب معالجتها حتى تكون جهود الاستجابة الإنسانية فعالة. فغياب الخدمات الأساسية، وانعدام مصادر الطاقة والمياه، وتهالك شبكات الصرف الصحي والبنية التحتية الأساسية يعيق العمل الإنساني، كما ان استمرار العمل الإغاثي بنفس النسق سيؤدي، بلا شك، الى زيادة اعداد المحتاجين.
دعونا نصحح المسار هذه المرة. ففي حين يظل إنقاذ الأرواح والحفاظ عليها في غاية الأهمية، يجب أن تكون المساعدة الإنسانية سبيلا لإخراج الناس من براثن الفقر ومعالجة مواطن الضعف وكسر دوامة الاعتماد على المساعدات.
أصحاب السعادة،
الاحتياجات المقدرة ضخمة وتتراوح بين 7.9 مليار دولار (بحسب البنك الدولي) و 14.8 مليار دولار ( بحسب تقديرات الأمم المتحدة). كما تشير التقديرات الأولية للجنة تقييم احتياجات التعافي من زلزال سوريا (SERNA) ان القطاعات الأكثر تضرراً هي قطاعات الإسكان والأراضي والمستوطنات البشرية، إضافة الى قطاعات الصحة والتغذية والتعليم والمياه وخدمات الصرف الصحي والنظافة. ومع ذلك، فإن التقديرات تشير الى إمكانية إعادة تأهيل 75 في المائة من هذه الخدمات التي تضررت بشكل جزئي، وإذا ما تم إصلاحها على الفور، ستسمح هذه الخدمات للناس بالعيش بشيء من الكرامة.
ان الأمم المتحدة موجودة بالفعل على الأرض ومستعدة لتوسيع نطاق جهودنا لتلبية احتياجات الناس.
الأشهر الـ 24 المقبلة ستكون حاسمة. فنحن بحاجة إلى توظيف جهود دعم الإعاشة الطارئة وسبل التعافي المبكر، فهما وجهان لعملة واحدة. ولن يؤدي سد الكفاف وحده إلا إلى زيادة عدد المحتاجين.
أصحاب السعادة،
يحتاج ملايين الرجال والنساء والأطفال في جميع انحاء سوريا إلى دعمنا المشترك. دعونا نصب تركيزنا على الناس وليس على السياسة. نحتاج إلى دعمكم، نحتاج إلى الموارد المالية، ونحتاج الى سبل الوصول للمحتاجين.
كما يجب أن تتدفق المساعدات الإنسانية دون أي عائق.
بدون موارد كافية ونهج مناسب، قد يرتفع عدد المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية لحوالي 18 مليون شخص بحلول بداية عام 2024.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة.
نرجو كرمكم ونطلب منكم مد يد العون للناجين حتى يستعيدوا سبل عيشهم، وحتى يتمكن الناس من إطعام ذوييهم، وحتى يتمتع الفتيان والفتيات بالسلامة ودفئ المنزل والحق في التعليم والصحة والحماية ومستقبل أفضل.
إن أي تأخر اليوم في الاستجابة سيدفع مئات الآلاف في نير الفقر ودوامة اليأس والفوضى. دعونا نؤكد اننا نضع الناس أولا، وان حضوركم اليوم هو دليلٌ على صدق اهتمامكم.
شكرًا لك.